تزوج «محمد» وهو مهندس شاب في الثالثة والثلاثين من عمره من زوجته الحالية منذ سبع سنوات، عقب قصة حب عنيفة دارت أولى همساتها في حرم الجامعة. كانت تدرس التربية في السنة الأولى وهو على وشك التخرج، تكلل الحب بالزواج عقب تخرجها، وعمل «محمد» مهندسا بإحدى شركات الاتصالات، والتحقت هي بمدرسة دولية تُدرس فيها الرياضيات، وأثمر الزواج عن طفل عمره خمس سنوات، وبنت في الثالثة من عمرها، ولا شك أن السنين وقصة الحب وفرت لهما قدرا من التفاهم ضمن لهما سعادة لا يعكرها سوى ما يصفه محمد بـ«نوبة الست الناظرة».
ويقصد تقمص زوجته لدور المُدرسة على الدوام، فإذا طلبت منه شيئا للمنزل، يكون دائما بصوت آمر، وإذا تكرر الطلب أكثر من مرة، فيكون بلهجة تحذيرية أقرب لتلك التي تخاطب بها تلاميذها في الفصل. ووصل الأمر إلى الأبناء، فهي تصر على استذكار دروسهما بنفسها، لكن سرعان ما يعلو الصراخ، لأن الأمر في أغلب الأحيان يصل إلى العقاب، حيث توقف أحدهما أو كليهما أمام الحائط لفترات قصيرة، وإذا تدخل الزوج لفك الحصار عنهما، تعاجله بلكمة لفظية: «مش كفاية بربيهم وأعلمهم وأنت مش حاسس بحاجة؟».
لا تختلف حالة حسام عن حالة محمد. فهو مدرس مساعد بكلية الآداب، ولم يتوصل لحد الآن إلى طريقة لإيقاف معاناته مع زوجته الطبيبة، فهو وابنه على موعد شبه شهري مع موجة عاتية من التحاليل والفحوصات الطبية التي تصر عليها، مع اهتمامها المبالغ فيه بالتنظيف.
ورغم عدم ممانعته لنظافتها الفائقة، إلا أن مشكلته الرئيسية معها، هي ثورتها العاتية لو نسي بندا واحدا من قواعدها الطبية الصارمة، فإذا قبّل صديقا له، فهذه جريمة، ولو وقف مع ابنه قليلا في الهواء، على سبيل السهو، تبدأ سلسلة إضافية من الفحوصات.
عن هذه الحالات، يقول الدكتور هاشم بحري، أستاذ الطب النفسي بجامعة عين شمس، إن «تأثر الأجواء الأسرية بسلوكيات المهنة ليست قاصرة على النساء فقط، فالرجل أيضا يتأثر بمهنته، وينعكس ذلك سلبا في أحوال كثيرة على بقية أفراد الأسرة، فالضابط يتحدث مع أولاده وزوجته على شكل استجواب، حيث تكثر في حديثه الأسئلة، التي يوحي بعضها بالشك، وهو ما يمكن أن يتسبب في جحيم، تماما مثل الطبيبة عندما تكثر من الاهتمام بالأمور الطبية وضرورة التعقيم والوقاية».
ويضيف بالمثل فإن بعض النساء، اللائي يعملن في سلك القضاء أو النيابة، يرفضن التنازل عن آرائهن ويعتبرن كلمتهن هي الأخيرة، وحكمهن هو العادل والصائب، وتقل مرونتهن في تقبل انتقاد أرائهن.
ويحكي بحري عن موقف طريف حدث معه شخصيا، عندما زارته مريضة بصحبة أولادها، وكانت تعمل خبيرة رياضية في ناد صحي، وقال أولادها، إنها تلح على التزامهم الغذائي، وتهتم بدرجة كبيرة بصحتهم وقوامهم، وتنسى احتضانهم والاستماع لأوجاعهم النفسية والاجتماعية.
وبحسب بحري فإن علاج هذه السلبيات، لا بد أن ينطلق من زاويتين، الأولى ضرورة اقتناع الشخص نفسه بتعديل سلوكه، والثانية أهمية جلوس المحيطين به من أفراد الأسرة معه، ولفت نظره لسلبيات المبالغة في التأثر بمهنته عند تعامله معهم.
من جانبها، ترجع الدكتورة نهلة السيد، أستاذ الطب النفسي بجامعة عين شمس، تأثر الزوجة بمهنتها إلى قضائها فترات طويلة، وهي تمارس السلوكيات المرتبطة بتلك المهنة، سواء أثناء فترة الدراسة التي قضت فيها أربع سنوات على الأقل، ثم سنوات العمل الطويلة، أو حتى على مستوى اليوم الواحد، وانغماسها في العمل لساعات طويلة، وهو ما يؤثر على سلوكياتها ثم تنعكس تلك السلوكيات على المحيطين بها، على شكل صرامة في التعامل لو كانت مدرسة، أو شكوك صحية لو كانت طبيبة أو صعوبة الاستجابة لمطالب الأسرة متأثرة بالتعقيدات البيروقراطية، فتعامل المرأة المديرة مثلا أولادها وزوجها بمنطق المرؤوس.
والحل من وجهة نظرها ضرورة تعلم الزوجة فن تنويع أدوارها، وتقسيم وقتها بالتساوي وفقا لتلك الأدوار، فإلى جانب عملها، لا بأس أن تخصص وقتا متساويا للنشاط والاختلاط الاجتماعي، إضافة إلى ممارسة الرياضة، ومنح نفسها وقتا للهوايات المختلفة، لتجد نفسها في نهاية اليوم، طبيبة ورياضية وأختا وأما تساهم في حل مشاكل الآخرين، وهو ما يمنحها توازنا نفسيا، ويجعلها شخصية سوية.